روائع مختارة | روضة الدعاة | استراحة الدعاة | هود عليه السـلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > استراحة الدعاة > هود عليه السـلام


  هود عليه السـلام
     عدد مرات المشاهدة: 2772        عدد مرات الإرسال: 0

أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية إستمرت سبع ليال وثمانية أيام.

¤ عبادة الناس للأصنام:

بعد أن إبتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض، فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين، لم يكن بينهم كافر واحد، ومرت سنوات وسنوات ومات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء ونسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام وإنحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.

قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان، وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله، وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية، وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.

¤ إرسال هود عليه السلام:

كان هود من قبيلة إسمها عاد وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. هو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر، أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والإرتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. انوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم، فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم، رغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة، كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه، وكان المفروض، ما داموا قد إعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول، لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع، كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.

وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟

إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده، فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية، ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.

أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة، دثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع، كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض، وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.

قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟

قال هود: كان آباؤكم مخطئين.

قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟

قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.

إنفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة، ما أغرب إدعاء هود، هكذا تهامس الكافرون من قومه، إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب، كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟

إستقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. م بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. فهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس، قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة، إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم إنتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض، إن هذه الحياة إختبار، يتم الحساب بعدها، فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. كثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالإحترام والسلطة، أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟

إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة، إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة، أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير، هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟

إن ظلما عظيما يتأكد لو إفترضنا أن يوم القيامة لن يجئ، ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء، ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى، ويحكم فيها رب العالمين سبحانه، هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.

وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه، إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه، لعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والإنطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.

حدثهم هود بهذا كله فإستمعوا إليه وكذبوه، قالوا له هيهات هيهات.. إستغربوا أن يبعث الله من في القبور، إستغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب، طبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول، قد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق، ليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.

¤ موقف الملأ من دعوة هود:

يروي المولى عزل وجل موقف الملأ -وهم الرؤساء- من دعوة هود عليه السلام، نرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء، نرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء، صفهم الله تعالى بقوله: {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على إستمرار المصالح الخاصة، من مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء، يلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر.. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا إختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟

قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!

تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم، أن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.

قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟

قال هود: الله.

قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.

وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله، فهمهم أن الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.

وإستمر الصراع بين هود وقومه، كلما إستمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود إستكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم، بدءوا يتهمون هودا عليه السلام بأنه سفيه مجنون.

قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك، أنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا.

إنظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم، أنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها، ها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق، لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.

بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي، لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده، لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. تحدث هود: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ*مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ*إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ} [هود:54-57]

إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق، جل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى، تصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء، إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على إستعداد لتلقي كيدهم، وهو على إستعداد لحربهم فقد توكل على الله، الله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض، سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان، لا شيء يعجز الله.

بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والإطمئنان إلى نصره.. خاطب هود الذين كفروا من قومه، هو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله، هو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، إن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين، هذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.

¤ هلاك عــــاد:

وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم، توكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه، هذا قانون من قوانين الحياة، يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.

إنتظر هود وإنتظر قومه وعد الله، بدأ الجفاف في الأرض، لم تعد السماء تمطر، هرع قوم هود إليه، ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم، سخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر، وزاد الجفاف، وإصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع، وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء، فرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا}.

تغير الجو فجأة، من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس، بدأت الرياح تهب، إرتعش كل شيء، إرتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام، واستمرت الريح، ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم، كل ساعة كانت برودتها تزداد، وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام وإختبئوا داخلها، إشتد هبوب الرياح وإقتلعت الخيام، وإختبئوا تحت الأغطية، فإشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية، كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره، لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.

إستمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط، لم توقفت الريح بإذن ربها، لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت، مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.

نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته.

الكاتب: أبو علي.

المصدر: شبكة الصوت الإسلامي.